توأم اللؤلؤ | اصدقاء المدونة
By مولاش - 5:49 م
بسم الله الرحمن الرحيم
( الكويت )
وفتحت بابك للضياء وأشرقت
آراء شعب فيك لا يتقسَّم
قلت: الكويتُ فهزَّني ما أكتمُ
من صبوةٍ تُمْلِي عليّ وأنظِمُ
وخواطرٍ توحي ومن إيحائها
صور من الماضي تجل وتعظم،
ورسمت وجهي من ملامح رملها
ومن الشواطئ سال في عرقي الدم
فأنا كويتيٌٌ وكل خلية
مني تقول كما أقول وتقسم
وأنا بكل صغيرة وكبيرة
في برها أو بحرها تتقدم
باديء ذي بدءٍ ؛ الأمر لا يربطه بالسياسة ولو خيط
رفيع ، نحن هنا نتحدث عن الأوطان ، وحتى ينساب نهر كلماتنا نحو بحيرة واحدة علينا أن
نتنحى قليلًا عن تيار السياسة العاتي ونتجاوز الصخرة ، السياسة التي تحمل معنى النزاع
المفتعل إن جاز التعبير ، وبما أنني أختار الحديث عن الوطن فأنا أدندن حول الانتماء
وهواجس العودة .. لا شيء هنا يأخذني لنوازع أخرى ..
توجد قصة قصيرة نعرفها جميعًا
هناك جد اسمه الأرض ، له ابن يدعى وطن ، بنى الوطن
نفسه وأنجب الأبناء ، وسمى الأبناء شعبًا ، وبطبيعة الحال فإن الأبناء يكنون الحب لجدهم
معترفين باعتزاز عودتهم إليه ، ولكنهم تحت شمس الحياة يخطون على التراب إحسان والدهم
ويتوالدون في ظل نخيله يهزون الجذوع ويأكلون الرطب
إنهم يتساءلون وعم يتسائلون ، عن الوطن الأثير ،
وإني أستهل حديثي في هذا المقام بشيء لطيف قد قاله دلاي لاما :
[ الوطن هو ما تشعر فيه أنك
في منزلك وتعامل فيه جيدًا ]
هذه الإجابة قالت كل شيء تقريبًا ، أوطاننا حيث
أرواحنا مقدرة وشاعرة بالدفء ، أوطاننا حيث الاعتبار وبعد الاعتبار نكون قادرين على
وضع أوطاننا كبريق في أعين أناس لا ينتمون حيث ننتمي ، نضع الوطن في آذانهم أغنية وفي
أيديهم دُرّاً ولؤلؤًا ..
وآه من اللؤلؤ .. ولا سيما اللؤلؤ ، ذاك التوأم
الشقيق للكويت والذي طالما رأيت في اصطفافه ابتسامة البسطاء ، وفي صفائه جوهرهم من
بادية وحاضرة ، متماسك كموقفهم في صد موجة تحاول اقتحام المحار ، إذا لا أحد يشغف بقيمة
الكنز أكثر ممن قام بالعثور عليه ، الشيء ذاته الذي قد حدث مع أسرة الصباح في شأن اكتشاف
هذا الوطن كأرض يلتقي فيها البسطاء ، ويعايشون امتزاجهم الثقافي في الوسط ، إنهم من
نقب في الأرض عن هذه الجنة ، ومخر عباب البحر بحثًا عن الدانة واكتشف الكويت
وبالكاد أسعى للمستحيل في وصف ما تم تأسيسه من وطن
يدعى الكويت ، كما أنني أذيب روحي كالشمع في الطريق لأعثر على البصمة الأصل لأرضها
،
الكويت بالمنظور الزمني : تعد نهارًا
الكويت بالمنظور المكاني : تعد جنة
الكويت بالمنظور الاستثنائي : يوم عيد
دعوني أبسط لكم الصورة
إن وصف الكويت كتقطير وردة وتحويلها إلى عطر ، تحويل
بحر إلى سحابة ، تحويل تلك السحابة إلى مطر ينهمر على البشر
هل فهمتم ما أعنيه ؟
أنا أعني بأن الكويت شيئ يتعدى الحد والاقليم ،
شيئ يشبه النور يصنع ظلاً لكل شيء ..
فكيف سيبدو وطن شيد سوره وبنيت دوره من الطين ،
المادة التي تحمل الخاصية الآدمية ، ألن يبدو ذلك الوطن نابضًا في كيان العالم ؟
فمن هنا يمكن القول بأن الكويت ذات طابع أصيل على
صعيد الأرض والشعب ، ولها مكانة معتبرة في بعدها الروحي والجغرافي ، محاطة بعشرة جزر
، وواقعة بالشمال الغربي لخليج عربي يجود بخيرات الله ، مما جعل عصب الحياة فيها مستندًا
على تجارة اللؤلؤ قبل اكتشاف النفط والذي يدعى بكنز العالم الأسود ، حيث تكتنز الكويت
في أرضها 10 % من احتياطي نفط
العالم ، مما جعلها أحد مراكز التجارة التي شغلت الاقتصاد في المنطقة ، ووسيطة الثراء
والسلام على نحو أوسع .
تقوم الكويت بتصنيع الإنسان ، مهتمة فيه على المستوى
النوعي ، في ظل رجل سلمه العالم قبل الشعب مقاليد الإنسانية الأم ، بعدما أعطى الكثير
وأسهم في
رسم الطريق لعالم كان يتخبط في ظلمة جهله وفقره ، وهما العدوان اللذان يفتكان بروح
البشرية جمعاء ، قبل الرصاصة وأسلحة الدمار الشامل
الكويت كمفردة أتت مصغرة من الكوت ، والذي يحمل
معنى الحصن والقلعة ، فأصبحت القلعة اليوم وقد ضمت ما لا يقل عن 4 ملايين من سكان الأرض
، يمثلون أرقى نماذج التعايش بالرغم من اختلاف تياراتهم وأعراقهم ..
يعد المناخ فيها جافًا ، حارًا في سماء الصيف ،
وصاقعًاً في جو الشتاء ، ولن يجد الرمث والعرفج مناخًا يتماشى مع جفافهما واحتماليتهما
كمناخ الكويت ، ولقد استمد الشعب صبرًا وتماسكًا كشيء من طبيعة المناخ الذي يعايشونه
مما لا ينافي تحفزهم بالود والرحمة في ذات الوقت .. فالكويت رغم جفافها تبقى في روح
من ألفوها ربيعًا معتدل النسيم
وفي خضم ذاك الربيع تفوز الكويت في ميدان التطور
وتنافس ، وتضم مركزًا للفنون الإسلامية يعنى بالتفاصيل التي تبرز روح العلاقة التكاملية
بين الدين والدولة ، وقد تم اعتبارها عاصمة للثقافة الإسلامية ، كنتيجة لجهودها المستمرة
في ظل الشريعة السمحة والحاكم الطيب ..
ومن الجانب الآخر يضوع عبق الوبر والصوف ، وتبدو
خيوط الصورة أكثر دفئًا وشعبية ، المغازل والرحى في بهو الدار تدور ، ووسط البهو بئرٌ
محفورة الجدة تردد على الصبية كان يا ماكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان وتحكي
الأسطورة
لقد أسهمت بعض الأساطير في تقويم سلوك الصغار وانضباطهم
إلى حد لا يستهان به ، عندما سمعوا أسطورة أم السعف والليف ، العجوز التي تثير ريحًا
في سعوف النخل وتصدر جلبة شديدة وتصطاد الصبية الذين يباعدون في أوقات النهار ، وسمعوا
بالطنطل ذاك العملاق الذي يجوب الزقاق ويقتنص الصبية الهاربين من البيوت في أوقات متأخرة
من الليل ، كلتا الأسطورتان كانتا كالعصا التي تحد من التهاون بأمر أرباب الأسرة .
وبالمقابل كان النون يؤلف جوًا ابتهاجيًا ، وهو
احتفالية الخطوة الأولى وبزوغ السن الأول في ثغور أطفال الكويت ، تعتلي الأمهات الأسطح
يحدين الأغنيات وينثرن الحلوى من آنية الخزف فيشرع الأطفال ثيابهم لالتقاط الحلوى المتساقطة
وهم واقفون أسفل الدور .
يعيش أهل الكويت تمامًا كما يعيش أهل البيت في البيت
، بلا مثالية بلا تخلٍ أو تعالي ، يرون الوطن لا على سبيل مبناه ، بل على سبيل من بناه
، وهذا أجمل ما في القصة
سافرت إلى أنحاء عدة من الأرض تحظى بطبيعة خلابة
، ويعد صيفها أبرد من شتاء الكويت ، ولا مقارنة بين الربيع والربيع ، ولكنني لم أجد
في أي منها ما وجدته في الكويت من حظوة وعزة ، لا أقول هذه الحقيقة وأنا منحاز لوطني
، أحاول قدر المستطاع أن أكون حياديًا ، ولكن عندما يقول لي وافد من بلد تعد من أغنى
دول العالم لقد تذوقت طعم الرز في الكويت ، آمنت يقينًا بأن لا وطن يشبه وطني ولا سيدًا
كسيده ، وأن الكويت هي بيتي الذي ألوذ به آخر النهار بعد مقاساة يوم طويل في الخارج
.
المقال مسجل بصوت الكاتب :
💜💜
0 التعليقات