اتّصِل بالصديق القديم - اصدقاء المدونة

By مولاش - 10:37 م

بسم الله الرحمن الرحيم 

[ اتّصِل بالصديق القديم ]
 للكاتب : حامد المخيمر 


..
تروي الكاتبة [ بروني وير ] في مذكراتها تحت عنوان - أهم خمسة أشياء يندم عليها المرء عند الموت - قصة لـ [ دوريس ] السيّدة المُسنّة ، والتي عندما أصبحت على عتبة الموت أفضت نحوها بأمنية جليلة وعطوفة ؛ بأن لو ظلّت على اتصال بأصدقائها القُدامى .. 


في الحقيقة نحن نفعل الأشياء ، ونقيم العلاقات ونحقق إنجازات لا تُحصى ، ولكننا في خضم ذلك كله لا نعرف لم نفعل ذلك ؟

وفي اللحظة التي نحقق فيها الأشياء نقضي على النّهمة ، و فور ما يلتمع نجم الدهشة يخبو سريعًا ، وفور ما يخبو نبحث عن شغف آخر لنعمل تحت ظلّه ، ونحن لا نزال نجهل ما هو الدافع الحقيقي وراء فعل ذلك ؟

ما يجعل الأمر غريبًا بعض الشيء ، ولنتحدث بالتحديد في لب إنشاء علاقة عابرة مع الأشخاص [ بدءًا من الطفولة ] ، أننا وعلى مرور العديد من الأعوام نتعرف على العديد من الأصدقاء ، وفي كل مرة نعرف فيها صديقًا جديدًا وننصهر به ولو جزئيًا فنحن نضع جزءًا من أنفسنا في نفسه ، وقد ينطوي هذا الجزء في نفسه مع الزمن ، ولكن !! لا يمكن تجاهل وجوده فيها ، إذ ليس هناك صعوبة في الكشف عن ذلك الجزء المنطوي إن استدعى الأمر ..

إننا نستودع الأصدقاء شيئًا من ذواتنا - حسن أم سيء كان - ما أعنيه وهو الأهم ، أن العدوى لازالت سارية بيننا .

إن عملية الانصهار تلك ، عملية تبادلية ، فنحن بالمقابل نتأثر بطبع الصديق ، وينضم طبعه تحت سلوكنا آليًا دون أن نشعر ، مما يجعلنا نتناسخ طبائعيًا ، فنرانا مع مرور الوقت نصبح أشخاصًا آخرين ، نشبه الآخرين ولا نُشبه أنفسنا ، وندرك بالفعل مدى تأثير كل واحد منا على الآخر ، وما تأثير الفعل والكلمة فينا . ولكننا لا زلنا في رحلة التنقيب عن الدافع !!

إن الدافع القوي وراء الأشياء هو الشغف ...
نعم الشغف ..
فنحن عندما نعمل على شيء ويصيبنا التعب منه ، فنحن لا نتركه لأجل التعب ذاته ، نحن حقيقة نتركه لأن الشغف بدأ بالتضاؤل ، ولكون الشغف دافعًا ؛ فإنه كلّما قلَّ ، قلّت الحوافز وفتُر العمل ، وبالتالي يصبح التخلي عنه سهلًا .

وهذا بالضبط ما يحدث في أمر الصداقة ، إنها تُبنى على الشغف نحو اكتشاف الجديد ، فإذا حصلنا على الجديد قلّ الشغف فينا وتركنا الأصدقاء دون أن نشعر بذلك أو نعمد على فعله ، وليست تلك إحدى صور الخيانة ، ولو تشارَكَت معها في قاسم التخلي ، لكنه الإكتفاء و تضاؤل الشغف الذي يفعل ذلك ..

وعندما نصبح على حافة الموت ، والنسيان ينساب في أروقة الذاكرة ، نشتاق حينها لأصدقائنا ، وأعمق الشوق لأصدقائنا القدامى على وجه التحديد .

لقد مضى الكثير من الوقت الذي كان في سباق مع الريح ، أو في سباق معنا ربما ، وفجأة نهرع إلى تفقد الآثار إلى الوراء ، باحثين عن كل ما هو أثري وقديم . بعدما أخذ الشغف مكانه الصحيح في نفوسنا ، مكانه الذي كان يجب أن يكون عليه منذ بداية العمر .

نحن الآن نبحث عن الأصدقاء وخاصة القدامى منهم ، بعدما أصبح لدينا شغف إلى معرفة أنفسنا ، لأن في كل واحد من أصدقائنا القدامى جزء حقيقي منا ، يحتفظ به في داخله ويُعرّفنا به ، فعندما يتعرف على أسمائنا مرة أخرى أو عندما يسمع أصواتنا قادمة من بعيد فسيخرج منه الجزء الذي انطوى عليه الزمن ، وحينها سنبدأ من خلاله بالتعرف على الأجزاء الحقيقة منا  ، لأننا من دون أن نشعر ؛ لن نعرف ما هي دوافع أفعالنا إلا بعدما تصبح تلك الأفعال أمنياتًا ..

[ فعندما تقول أتمنى لو بقيت على اتصال بأصدقائي القدامى، فأنت في الحقيقة تقول أتمنى لو بقيت على اتصال مع نفسي ]

  • Share:

You Might Also Like

2 التعليقات

  1. ( إن الدافع القوي وراء الأشياء هو الشغف ) 💗👌🏻.
    فعلاً الشغف هو الدافع، .. راقت لي التدوينة ..
    و بالنسبة لي ؛ حب الأصدقاء القدامى أو أصدقاء الطفولة لا يُضاهى
    بين قائمة الأصدقاء اكيد لهم مكانة خاصّة تميّزهم عن غيرهم💕.

    ردحذف
  2. تدوينة جميلة جداً و مؤثرة 💞😭 ، الصداقة شي جداً ثمين و في الزمن الحالي نادر جداً تلقي صديق مخلص للأسف

    ردحذف